فصل: (سورة الشعراء: آية 188):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الشعراء: الآيات 176- 180]:

{كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180)}.
قرئ أصحاب الأيكة بالهمزة وبتخفيفها، وبالجرّ على الإضافة وهو الوجه. ومن قرأ بالنصب وزعم أن ليكة بوزن ليلة: اسم بلد، فتوهم قاد إليه خط المصحف، حيث وجدت مكتوبة في هذه السورة وفي سورة ص بغير ألف. وفي المصحف أشياء كتبت على خلاف قياس الخط المصطلح عليه، وإنما كتبت في هاتين السورتين على حكم لفظ اللافظ، كما يكتب أصحاب النحو لان، ولولى: على هذه الصورة لبيان لفظ المخفف، وقد كتبت في سائر القرآن على الأصل، والقصة واحدة، على أن ليكة اسم لا يعرف.
وروى أن أصحاب الأيكة كانوا أصحاب شجر ملتف، وكان شجرهم الدوم. فإن قلت: هلا قيل: أخوهم شعيب، كما في سائر المواضع؟ قلت: قالوا: إن شعيبا لم يكن من أصحاب الأيكة. وفي الحديث: إن شعيبا أخا مدين، أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة.

.[سورة الشعراء: الآيات 181- 184]:

{أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)}.
الكيل على ثلاثة أضرب: واف، وطفيف، وزائد. فأمر بالواجب الذي هو الإيفاء، ونهى عن المحرّم الذي هو التطفيف، ولم يذكر الزائد، وكأن تركه عن الأمر والنهى: دليل على أنه إن فعله فقد أحسن وإن لم يفعله فلا عليه. قرئ: بالقسطاس مضموما ومكسورا وهو الميزان وقيل: القرسطون، فإن كان من القسط وهو العدل- وجعلت العين مكررة- فوزنه فعلاس، وإلا فهو رباعي. وقيل: وهو بالرومية العدل. يقال: بخسته حقه، إذا نقصته إياه. ومنه قيل للمكس: البخس، وهو عامّ في كل حق ثبت لأحد أن لا يهضم، وفي كل ملك أن لا يغصب عليه مالكه ولا يتحيف منه، ولا يتصرف فيه إلا بإذنه تصرفا شرعيا. يقال: عثا في الأرض وعثى وعاث، وذلك نحو قطع الطريق، والغارة، وإهلاك الزروع، وكانوا يفعلون ذلك مع توليهم أنواع الفساد فنهوا عن ذلك. وقرئ: الجبلة، بوزن الأبلة. والجبلة، بوزن الخلقة.
ومعناهنّ واحد، أي: ذوى الجبلة، وهو كقولك: والخلق الأوّلين.

.[سورة الشعراء: الآيات 185- 186]:

{قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (186)}.
فإن قلت: هل اختلف المعنى بإدخال الواو هاهنا وتركها في قصة ثمود؟ قلت: إذا أدخلت الواو فقد قصد معنيان: كلاهما مناف للرسالة عندهم: التسحير والبشرية، وأن الرسول لا يجوز أن يكون مسحرا ولا يجوز أن يكون بشرا، وإذا تركت الواو فلم يقصد إلا معنى واحد وهو كونه مسحرا، ثم قرر بكونه بشرا مثلهم. فإن قلت: إن المخففة من الثقيلة ولامها كيف تفرقتا على فعل الظنّ وثانى مفعوليه؟ قلت: أصلهما أن يتفرقا على المبتدإ والخبر، كقولك: إن زيد لمنطلق، فلما كان البابان- أعنى باب كان وباب ظننت- من جنس باب المبتدإ والخبر، فعل ذلك في البابين فقيل: إن كان زيد لمنطلقا، وإن ظننته لمنطلقا.

.[سورة الشعراء: آية 187]:

{فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفًا مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187)}.
قرئ: كسفا بالسكون والحركة، وكلاهما جمع كسفة، نحو: قطع وسدر. وقيل: الكسف والكسفة، كالريع والريعة، وهي القطعة. وكسفه: قطعه. والسماء: السحاب، أو المظلة.
وما كان طلبهم ذلك إلا لتصميمهم على الجحود والتكذيب. ولو كان فيهم أدنى ميل إلى التصديق لما أخطروه ببالهم فضلا أن يطلبوه. والمعنى: إن كنت صادقا أنك نبىّ، فادع اللّه أن يسقط علينا كسفا من السماء.

.[سورة الشعراء: آية 188]:

{قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (188)}.
{رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ} يريد: أنّ اللّه أعلم بأعمالكم وبما تستوجبون عليها من العقاب، فإن أراد أن يعاقبكم بإسقاط كسف من السماء فعل، وإن أراد عقابا آخر فإليه الحكم والمشيئة.

.[سورة الشعراء: آية 189]:

{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189)}.
{فَأَخَذَهُمْ} اللّه بنحو ما اقترحوا من عذاب الظلة إن أرادوا بالسماء السحاب، وإن أرادوا المظلة فقد خالف بهم عن مقترحهم. يروى أنه حبس عنهم الريح سبعا، وسلط عليهم الومد فأخذ بأنفاسهم لا ينفعهم ظلّ ولا ماء ولا سرب، فاضطرّوا إلى أن خرجوا إلى البرية فأظلتهم سحابة وجدوا لها بردا ونسيما، فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا. وروى أنّ شعيبا بعث إلى أمتين: أصحاب مدين، وأصحاب الأيكة، فأهلكت مدين بصيحة جبريل، وأصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة. فإن قلت: كيف كرّر في هذه السورة في أوّل كل قصة وآخرها ما كرّر؟ قلت: كل قصة منها كتنزيل برأسه، وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها، فكانت كل واحدة منها تدلى بحق في أن تفتتح بما افتتحت به صاحبتها، وأن تختتم بما اختتمت به، ولأنّ في التكرير تقريرا للمعاني في الأنفس، وتثبيتا لها في الصدور. ألا ترى أنه لا طريق إلى تحفظ العلوم إلا ترديد ما يراد تحفظه منها، وكلما زاد ترديده كان أمكن له في القلب وأرسخ في الفهم وأثبت للذكر وأبعد من النسيان، ولأنّ هذه القصص طرقت بها آذان وقر عن الإنصات للحق، وقلوب غلف عن تدبره، فكوثرت بالوعظ والتذكير، وروجعت بالترديد والتكرير لعل ذلك يفتح أذنا، أو يفتق ذهنا، أو يصقل عقلا طال عهده بالصقل، أو يجلو فهما قد غطى عليه تراكم الصدأ. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى {كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين} أي أمين على الرسالة فكيف تتهمونني اليوم {فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتبنون بكل ريع} قال ابن عباس: أي بكل شرف وفي رواية عنه بكل طريق، وقيل: هو الفج بين الجبلين وقيل: المكان المرتفع {آية} أي علامة وهي العلم {تعبثون} يعني بمن مر بالطريق والمعنى، أنهم كانوا: يبنون بالمواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة والسابلة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم، وقيل إنهم بنوا بروج الحمام فأنكر عليهم هو باتخاذها، ومعنى تعبثون تلعبون بالحمام {وتتخذون مصانع} قال ابن عباس أبنية وقيل قصورًا مشيدة وحصونًا مانعة، وقيل مآخذ الماء يعني الحياض {لعلكم تخلدون} أي كأنكم تبقون فيها خالدين لا تموتون.
{وإذا بطشتم} أي وإذا أخذتم وسطوتم {بطشتم جبارين} أي قتلًا بالسيف وضربًا بالسوط والجبار الذي يضرب ويقتل على الغضب، وهو مذموم في وصف البشر {فاتقوا الله وأطيعون} فيه زيادة زجر عن حب الدنيا والشرف والتفاخر {واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون} أي أعطاكم من الخير ما تعلمون ثم ذكر ما أعطاهم فقال: {أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون} فيه التنبيه على نعمة الله تعالى عليهم {إني أخاف عليكم} قال ابن عباس إن عصيتموني {عذاب يوم عظيم} فكان جوابهم أن {قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين} أي أنهم أظهروا قلة اكتراثهم بكلامه، واستخفافهم بما أورده من المواعظ والوعظ كلام يلين القلب يذكر الوعد والوعيد {إن هذا إلا خلق الأولين} قرئ بفتح الخاء أي اختلاق الأولين وكذبهم وقرئ خلق بضم الخاء، واللام أي عادة الأولين من قبلنا أنهم يعيشون ما عاشوا ثم يموتون ولا بعث ولا حساب وقولهم {وما نحن بمعذبين} أين أنهم أظهروا بذلك تقوية نفوسهم فيما تمسكوا به من إنكارهم المعاد {فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} قوله تعالى {كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتتركون فيما ها هنا آمنين} أي في الدنيا من العذاب {في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها} أي ثمرها الذي يطلع منها {هضيم} قال ابن عباس: لطيف وعنه يانع نضيج وقيل: هو اللين الرخو.
وقيل: متهشم يتفتت إذا مس.
وقيل: الهضيم هو الذي دخل بعضه في بعض من النضج أو النعومة وقيل هو المدرك {وتنحتون من الجبال بيوتًا فارهين} وقرئ فرهين قيل: الفاره الحاذق بنحتها والفره قال ابن عباس: الأشر والبطر وقيل: معناه متجبرين فرحين معجبين بصنعكم {فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين} قال ابن عباس: أي المشركين وقيل يعني التسعة الذين عقروا الناقة {الذين يفسدون في الأرض} أي بالمعاصي {ولا يصلحون} أي لا يطعيون الله فيما أمرهم {قالوا إنما أنت من المسحرين} أي المسحورين المخدوعين وقال ابن عباس: من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب {ما أنت إلا بشر مثلنا} والمعنى أنت بشر مثلنا ولست بملك {فأت بآية} يعني على صحة ما تقول {إن كنت من الصادقين} يعني أنك رسول إلينا {قال هذه ناقة لها شرب} أي حظ من الماء {ولكم شرب يوم معلوم}.
{ولا تمسوها بسوء} أي بعقر {فيأخذكم عذاب يوم عظيم فعقروها فأصبحوا نادمين} أي على عقرها لما رأوا العذاب {فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} قوله: {كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلى على رب العالمين أتأتون الذكران من العالمين} يعني نكاح الرجال من بني آدم {وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم} يعني أتتركون العضو المباح من النساء وتميلون إلى أدبار الرجال {بل أنتم قوم عادون} أي معتدون مجاوزون الحلال إلى الحرام {قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين} أي من قريتنا {قال إني لعملكم من القالين} أي من التاركين المبغضين {رب نجني وأهلي مما يعملون} أي من العمل الخبيث قال الله تعالى {فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزًا} أي امرأته {في الغابرين} أي بقيت في المهلكين {ثم دمرنا الآخرين} أي أهلكناهم {وأمطرنا عليهم مطرًا} يعني الكبريت والنار {فساء مطر المنذرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} قوله: {كذب أصحاب الأيكة المرسلين} أي الغيضة الملتفة من الشجر وقيل هو اسم البلد {إذ قال لهم شعيب} لم يقل لهم أخوهم لأنه لم يكن منهم وإنما كان من مدين وأرسل إليهم {ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين} إنما كانت دعوة هؤلاء الأنبياء فيما حكي عنهم على صيغة واحدة لاتفاقهم على تقوى الله وطاعته، والإخلاص في العبادة والامتناع من أخذ الأجر على تبليغ الرسالة، {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين} أي الناقصين لحقوق الناس في الكيل والوزن {وزنوا بالقسطاس} أي بالميزان العدل {المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين} يعني الخليقة والأمم المتقدمة {قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فاسقط علينا كسفًا} يعني قطعًا {من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون} يعني من نقصان الكيل والوزن وهو مجازيكم بأعمالكم، وليس العذاب إلي وما علي إلا الدعوة والتبليغ.
{فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم} وذلك أنهم أصابهم حر شديد فكانوا يدخلون الأسراب، فيجدونها أحر من ذلك فيخرجون فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارًا فاحترقوا جميعًا {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} وقد تقدم الكلام على هذه القصص في سورة الأعراف وهود فأغنى عن الإعادة هنا والله أعلم بمراده. اهـ.